الاستغاثة عند علماء الأمة
روى الطبراني عَنِ ابْنِ عُمَرَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَنْ تَجْتَمِعَ أُمَّتِي عَلَى الضَّلالَةِ أَبَدًا, فَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَة، وأبدأ بالخلفاء الراشدين فأقول:
وروى عبد بن حميد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن أمتي لن تجتمع على ضلالة ، فإذا رأيتم الاختلاف فعليكم بالسواد الأعظم » وروى الحاكم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: لا يجمع الله هذه الأمة على الضلالة أبدا وقال : يد الله على الجماعة فاتبعوا السواد الأعظم فإنه من شذ شذ في النار.
والمقصود بالأمة هم علماء الأمة في كل عصر، فاجتماع علماء السنة على أمر يعد تشريعا، وهو مصدر من مصادر التشريع، فكيف إذا كان الاجتماع من قبل العلماء السابقين واللاحقين؟! لذلك كانت يد الله على الجماعة ومع الجماعة، وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم من خالفهم شاذا، وهذا الشاذ هو في النار، ومشروعية الاستغاثة جاءت في الكتاب العزيز، وصريح السنة النبوية، وإجماع العلماء قديما وحديثا، ولم يشذ عن هذه القاعدة إلا شواذ ممن رأوا رأي الخوارج الذين ذكرناهم في الرد على الشبهة الأولى من شبههم في هذا الكتاب، وسأذكر في هذا الفصل إن شاء الله أقوال ثلة من العلماء المتقدمين ومن جاء بعدهم لأدلل على صحة ما ذهبت إليه من إجماع الأمة على مشروعية الاستغاثة:
الخلفاء الراشدون
روى البخاري بسند إلى الزبير رضي الله عنه قَال: لَقِيتُ يَوْمَ بَدْرٍ عُبَيْدَةَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَهُوَ مُدَجَّجٌ لا يُرَى مِنْهُ إِلا عَيْنَاهُ وَهُوَ يُكْنَى أَبُو ذَاتِ الْكَرِشِ فَقَال: أَنَا أَبُو ذَاتِ الْكَرِشِ، فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ بِالْعَنَزَةِ فَطَعَنْتُهُ فِي عَيْنِهِ فَمَاتَ، قَالَ هِشَامٌ: فَأُخْبِرْتُ أَنَّ الزُّبَيْرَ قَالَ لَقَدْ وَضَعْتُ رِجْلِي عَلَيْهِ ثُمَّ تَمَطَّأْتُ فَكَانَ الْجَهْدَ أَنْ نَزَعْتُهَا وَقَدْ انْثَنَى طَرَفَاهَا قَالَ عُرْوَةُ: فَسَأَلَهُ إِيَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهُ، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهَا، ثُمَّ طَلَبَهَا أَبُو بَكْرٍ فَأَعْطَاهُ فَلَمَّا قُبِضَ أَبُو بَكْرٍ سَأَلَهَا إِيَّاهُ عُمَر،ُ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا فَلَمَّا قُبِضَ عُمَرُ أَخَذَهَا، ثُمَّ طَلَبَهَا عُثْمَانُ مِنْهُ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ وَقَعَتْ عِنْدَ آلِ عَلِي، فَطَلَبَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَكَانَتْ عِنْدَهُ حَتَّى قُتِل .
الشاهد في هذا الحديث هو أن العنزة طلبها النبي صلى الله عليه وسلم من الزبير، فأعطاه إياها، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يحملها، وتوضع بين يديه في الصلاة سترة له، فلما قبض النبي عليه الصلاة والسلام طلبها أبو بكر من الزبير تبركا بآثار النبي، فلما قبض أبو بكر طلبها عمر تبركا بصاحبيه، فلما قبض عمر طلبها عثمان للتبرك أيضا، وهكذا علي، فالخلفاء الراشدون كانوا شديدي الحرص على التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن حرصهم أيضا أن أبا بكر أوصى أن يدفن بجانب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمر استأذن أن يدفن بجوار صاحبيه، تبركا بهما.
تبرك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
ذكر أصحاب السير عن عروة بن مسعود في صلح الحديبية وما رآه من تعظيم الصحابة للنبي عليه الصلاة والسلام: ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعينيه، قال: فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيما له.
الشاهد في هذا هو تبرك الصحابة بفضلات النبي صلى الله عليه وسلم، يمسحون بها وجوههم وأبدانهم يطلبون المدد بالتبرم بآثاره عليه الصلاة والسلام.
أبي بن كعب يتبرك بمنبر النبي عليه الصلاة والسلام
روى الشافعي في مسنده عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جذع نخلة إذ كان المسجد عريشا، وكان يخطب إلى ذلك الجذع، فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله، هل لك أن نجعل لك منبرا تقوم عليه يوم الجمعة فتسمع الناس خطبتك؟ قال: نعم فصنع له ثلاث درجات هن اللاتي على المنبر، فلما صنع المنبر ووضع موضعه الذي وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بدا للنبي صلى الله عليه وسلم أن يقوم على ذلك المنبر فيخطب عليه، فمر إليه فلما جاوز ذلك الجذع الذي كان يخطب إليه خار حتى تصدع وانشق، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع صوت الجذع فمسحه بيده ثم رجع إلى المنبر، فلما هدم المسجد أخذ ذلك الجذع أبي بن كعب رضي الله عنه فكان عنده في بيته حتى بلي وأكلته الأرضةوعاد رفاتا.
أبو محذورة
روى أحمد عن أبي محذورة قال: خَرَجْتُ فِي عَشَرَةِ فِتْيَانٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَيْنَا، فَأَذَّنُوا فَقُمْنَا نُؤَذِّنُ نَسْتَهْزِئُ بِهِمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ائْتُونِي بِهَؤُلاءِ الْفِتْيَانِ فَقَالَ: أَذِّنُوا فَأَذَّنُوا فَكُنْتُ أَحَدَهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ: هَذَا الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ اذْهَبْ فَأَذِّنْ لأَهْلِ مَكَّةَ، فَمَسَحَ عَلَى نَاصِيَتِي وَقَالَ: قُلْ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ000إلى أن قال: وَإِذَا أَذَّنْتَ بِالأوَلِ مِنْ الصُّبْحِ فَقُلْ الصلاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ الصلاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، وَإِذَا أَقَمْتَ فَقُلْهَا مَرَّتَيْنِ قَدْ قَامَتْ الصلاةُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ أَسَمِعْتَ؟ قَالَ: وَكَانَ أَبُو مَحْذُورَةَ لا يَجُزُّ نَاصِيَتَهُ وَلا يُفَرِّقُهَا لأنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَيْهَا.
والشاهد في هذا الحديث أن أبا محذورة لم يكن يقص شعر رأسه لأن النبي صلى الله عليه وسلم مسه بيده الشريفة، تبركا بأثر يده الشريفة، وجاء في بعض الروايات ان شعره كان يجر على الأرض.
الإمام مالك بن أنس
سأل أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي الإمام مالكا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا عبد الله، أأستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدعو؟ أم أستقبل القبلة وأدعو؟ فقال له مالك: ولـمَ تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله عز وجل.
قلت: أنبه هنا على نقطتين هما:
ألأولى: هي خطأ ما يأمر به الجاحدون للاستغاثة الناس من استدبار الحجرة الشريفة عند دعائهم أثناء الزيارة.
الثانية: قول الإمام مالك وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم، يشير للحديث الذي يرويه الحاكم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي فقال الله: يا آدم و كيف عرفت محمدا ولم أخلقه؟ قال: يا رب لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت فيّ من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلى أحب الخلق إليك فقال الله: صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلي ادعني بحقه فقد غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك .
يتبع إن شاء الله